سورة لقمان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{الم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}
{الكتاب الحكيم} ذي الحكمة. أو وصف بصفة الله تعالى على الإسناد المجازي. ويجوز أن يكون الأصل: الحكيم قائله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فبانقلابه مرفوعاً بعد الجر استكن في الصفة المشبهة {هُدًى وَرَحْمَةً} بالنصب على الحال عن الآيات، والعامل فيها: ما في تلك من معنى الإشارة. وبالرفع على أنه خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف {لّلْمُحْسِنِينَ} للذين يعملون الحسنات وهي التي ذكرها: من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيقان بالآخرة ونظيره قول أوس:
الأَلْمَعِيُّ الَّذِي يَظُنُّ بِكَ الظَّنَّ *** كَأَنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا
حكى عن الأصمعي: أنه سئل عن الألمعي فأنشده ولم يزد. أو للذين يعملون جميع ما يحسن من الأعمال، ثم خص منهم القائمين بهذه الثلاث بفضل الاعتداد بها.


{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)}
اللهو كل باطل ألهى عن الخير وعما يعني و{لَهْوَ الحديث} نحو السمر بالأساطير والأحاديث التي لا أصل لها، والتحدث بالخرفات والمضاحيك وفضول الكلام، وما لا ينبغي من كان وكان، ونحو الغناء وتعلم الموسيقار، وما أشبه ذلك. وقيل: نزلت في النضر بن الحرث، وكان يتجر إلى فارس، فيشتري كتب الأعاجم فيحدث بها قريشاً ويقول: إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بأحاديث رستم وبهرام والأكاسرة وملوك الحيرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن. وقيل: كان يشتري المغنيات، فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه، ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ بيعُ المغنياتِ ولا شراؤُهن ولا التجارةُ فيهنّ ولا أثمانهنّ» وعنه صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ رجلٍ يَرفعُ صوتَه بالغناءِ إلا بَعث اللَّهُ عليهِ شيطانَين: أحدُهما على هذا المنكبِ والآخرُ على هذا المنكبِ، فلا يزالان يضربانهِ بأَرجلِهِما حتى يكونَ هو الذي يسكتُ»، وقيل: الغناءُ منفدة للمال، مسخطة للرب، مفسدة للقلب.
فإن قلت: ما معنى إضافة اللهو إلى الحديث؟ قلت: معناها التبيين، وهي الإضافة بمعنى من، وأن يضاف الشيء إلى ما هو منه، كقولك: صفّة خز وباب ساج. والمعنى: من يشتري اللهو من الحديث؛ لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره، فبين بالحديث. والمراد بالحديث. الحديث المنكر، كما جاء في الحديث: «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش» ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى (من) التبعيضية، كأنه قيل: ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه. وقوله: {يَشْتَرِى} إما من الشراء، على ما روى عن النضر: من شراء كتب الأعاجم أو من شراء القيان. وإما من قوله: {اشتروا الكفر بالإيمان} [آل عمران: 177] أي استبدلوه منه واختاروه عليه.
وعن قتادة: اشتراؤه: استحبابه، يختار حديث الباطل على حديث الحق. وقرئ: {لِيُضِلَّ} بضم الياء وفتحها. و{سَبِيلِ الله} دين الإسلام أو القرآن.
فإن قلت: القراءة بالضم بينة، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو: أن يصدّ الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت: فيه معنيان، أحدهما: ليثبت على ضلاله الذي كان عليه، ولا يصدف عنه، ويزيد فيه ويمدّه، فإن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين وصدّ الناس عنه.
والثاني: أن يوضع ليضل موضع ليضل، من قبل أن من أضل كان ضالاً لا محالة، فدل بالرديف على المردوف.
فإن قلت: ما معنى قوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} قلت: لما جعله مشترياً لهو الحديث بالقرآن قال: يشتري بغير علم بالتجارة وبغير بصيرة بها، حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق.
ونحوه قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَت تجارتهم وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16] أي: وما كانوا مهتدين للتجارة بصراء بها: وقرئ {وَيَتَّخِذَهَا} بالنصب والرفع عطفاً على يشتري. أو ليضل، والضمير للسبيل؛ لأنها مؤنثة، كقوله تعالى: {وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ ءامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الأعراف: 86]. {ولى مُسْتَكْبِراً} زاما لا يعبأ بها ولا يرفع بها رأساً: تشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} أي ثقلاً ولا وقر فيهما، وقرئ: بسكون الذال.
فإن قلت: ما محل الجملتين المصدرتين بكأن؟ قلت: الأولى حال من مستكبراً والثانية من لم يسمعها: ويجوز أن تكونا استئنافين، والأصل في كأن المخففة: كأنه، والضمير: ضمير الشأن.


{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)}
{وَعْدَ الله حَقّا} مصدران مؤكدان، الأوّل: مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره؛ لأن قوله: {لَهُمْ جنات النعيم} في معنى: وعدهم الله جنات النعيم، فأكد معنى الوعد بالوعد. وأما {حَقّاً} فدال على معنى الثبات: أكد به معنى الوعد، ومؤكدهما جميعاً قوله: {لَهُمْ جنات النعيم} {وَهُوَ العزيز} الذي لا يغلبه شيء ولا يعجزه، يقدر على الشيء وضده، فيعطى النعيم من شاء والبؤس من شاء، وهو {الحكيم} لا يشاء إلا ما توجبه الحكمة والعدل {تَرَوْنَهَا} الضمير فيه للسموات، وهو استشهاد برؤيتهم لها، غير معمودة على قوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ} كما تقول لصاحبك: أنا بلا سيف ولا رمح تراني فإن قلت: ما محلها من الإعراب؟ قلت: لا محل لها لأنها مستأنفة. أو هي في محل الجرّ صفة للعمد أي: بغير عمد مرئية، يعني: أنه عمدها بعمد لا ترى، وهي إمساكها بقدرته {هذا} إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته. والخلق بمعنى المخلوق. و{الذين مِن دُونِهِ} آلهتهم، بكتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله وأنشأه. فأروني ماذا خلقته آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة، ثم أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالتورّط في ضلال ليس بعده ضلال.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7